كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ووجه التعبير في صيغة الجمع في قوله: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ} مع أن ضارب المثل واحد وهو ابن الزبعري يرجع إلى أمرين:
أحدهما: أن من أساليب اللغة العربية إسناد فعل الرجل الواحد من القبيلة إلى جميع القبيلة، ومن أصرح الشواهد العربية في ذلك قوله:
فسيف بني عبس وقد ضربوا به ** نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد

فإنه نسب الضرب إلى جميع بني عبس مع تصريحه بأن السيف في يد رجل واحد منهم، وهو ورقاء بن زهير، والشاعر يشير بذلك إلى قتل خالد بن جعفر الكلابي لزهير بن جذيمة العبسي، وأن ورقاء بن زهير، ضرب بسيف بني عبس، رأس خالد بن جعفر الكلابي، الذي قتل أباه ونبا عنه، أي لم يؤثر في رأسه، فإن معنى: نبا السيف ارتفع عن الضريبة ولم يقطع.
والشاعر يهجو بني عبس بذلك.
والحروب التي نشأت عن هذه القصة، وقتل الحارث بن ظالم المري لخالد المذكور، كل ذلك معروف في محله.
والأمر الثاني: أن جميع كفار قريش، صوبوا ضرب ابن الزبعري عيسى مثلًا، وفرحوا بذلك، ووافقوه عليه، فصاروا كالمتمالئين عليه.
وبهذين الأمرين المذكورين جمع المفسرون بين صيغة الجمع في قوله: {فَعَقَرُواْ الناقة} [الأعراف: 77] وقوله: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} [الشمس: 14] وبين صيغة الإفراد في قوله: {فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فتعاطى فَعَقَرَ} [القمر: 29].
وقال بعض العلماء: الفاعل المحذوف في قوله ولما ضرب ابن مريم مثلًا هو عامة قريش.
والذين قالوا إن كفار قريش لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يذكر عيسى، وسمعوا قول الله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [آل عمران: 59]. قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ما تريد بذكر عيسى إلا أن نعبدك كما عبد النصارى عيسى.
وعلى هذا فالمعنى أنهم ضربوا عيسى مثلًا للنبي صلى الله عليه وسلم، في عبادة الناس لكل منهما، زاعمين أنه يريد أن يعبد كما عبد عيسى.
وعلى هذا القول فمعنى قوله: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ} أي ما ضربوا لك هذا المثل إلا لأجل الخصومة بالباطل، مع أنهم يعلمون أنك لا ترضى أن تعبد بوجه من الوجوه.
وقوله تعالى: {قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله} [آل عمران: 64] الآية.
وإن كان من القرآن المدني النازل بعد الهجرة فمعناه يكرره عليهم النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا قبل الهجرة كما هو معلوم.
وكذلك قوله: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الملائكة والنبيين أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بالكفر بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 80].
ولا شك أن كفار قريش متيقنون، في جميع المدة التي أقامها صلى الله عليه وسلم، في مكة قبل الهجرة بعد الرسالة، وهي ثلاث عشرة سنة، أنه لا يدعو إلا إلى عبادة الله، وحده لا شريك له.
فادعاؤهم أنه يريد أن يعبدوه، افتراء منهم، وهم يعلمون أنهم مفترون، في ذلك.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ}؟
التحقيق أن الضمير في قوله: {هو} راجع إلى عيسى، لا إلى محمد عليهما الصلاة والسلام.
قال بعض العلماء: ومرادهم بالاستفهام تفضيل معبوداتهم على عيسى.
قيل: لأنهم يتخذون الملائكة آلهة، والملائكة أفضل عندهم من عيسى.
وعلى هذا فمرادهم أن عيسى عبد من دون الله، ولم يكن ذلك سببًا لكونه في النار، ومعبوداتنا خير من عيسى، فكيف تزعم أنهم في النار.
وقال بعض العلماء: أرادوا تفضيل عيسى على آلهتهم.
والمعنى على هذا أنهم يقولون: عيسى خير من آلهتنا، أي في زعمك وأنت تزعم أنه في النار، بمقتضى عموم ما تتلوه من قوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّم} [الأنبياء: 98].
وعيسى عبده النصارى من دون الله، فدلالة قولك على أن عيسى في النار، مع اعترافك بخلاف ذلك، يدل على أن ما تقوله، من أنا وآلهتنا، في النار ليس بحق أيضًا.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} أي لد، مبالغون في الخصومة، بالباطل، كما قال تعالى: {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} [مريم: 97] أي شديدي الخصومة.
وقوله تعالى: {وَهُوَ أَلَدُّ الخصام} [البقرة: 204]، لأن الفعل بفتح فكسر كخصم، من صيغ المبالغة، كما هو معلوم في محله.
وقد علمت مما ذكرنا أن قوله تعالى هنا {وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلًا} [الزخرف: 57] الآية إنما بينته الآيات التي ذكرنا ببيان سببه.
ومعلوم أن الآية قد يتضح معناها ببيان سببها.
فعلى القول الأول، أنهم ضربوا عيسى مثلًا لأصنامهم، في دخول النار، فإن ذلك المثل يفهم من أن سبب نزول الآية نزول قوله تعالى قبلها {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ}.
[الأنبياء: 98] لأنها لما نزلت قالوا إن عيسى عبد من دون الله كآلهتهم فهم بالنسبة لما دلت عليه سواء.
وقد علمت بطلان هذا مما ذكرناه آنفًا.
وعلى القول الثاني أنهم ضربوا عيسى مثلًا لمحمد صلى الله عليه وسلم، في أن عيسى قد عبد، وأنه صلى الله عليه وسلم، يريد أن يعبد كما عبد عيسى، فكون سبب ذلك سماعهم لقوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [آل عمران: 59] وسماعهم للآيات المكية النازلة في شأن عيسى يوضح المراد بالمثل.
وأما الآيات التي بينت قوله: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ} [الزخرف: 58] فبيانها له واضح على كلا القولين. والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ}.
والتحقيق أن الضمير في قوله: هو عائد إلى عيسى أيضًا لا إلى محمد عليهما الصلاة والسلام.
وقوله هنا: {عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْه} لم يبين هنا شيئًا من الإنعام الذي أنعم به على عبده عيسى، ولكنه بين ذلك في المائدة، في قوله تعالى: {إِذْ قال الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ اذكر نِعْمَتِي عَلَيْكَ وعلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ القدس تُكَلِّمُ الناس فِي المهد وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأكمه والأبرص بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الموتى بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بني إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بالبينات} [المائدة: 110] وفي آل عمران، في قوله تعالى: {إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسمه المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدنيا والآخرة وَمِنَ المقربين} [آل عمران: 45] إلى قوله: {وَمِنَ الصالحين} [آل عمران: 46] إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا}.
التحقيق أن الضمير في قوله: وإنه راجع إلى عيسى لا إلى القرآن، ولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ومعنى قوله: {لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَة} على القول الحق الصحيح الذي يشهد له القرآن العظيم، والسنة المتواترة، هو أن نزول عيسى في آخر الزمان، حيا علم للساعة أي علامة لقرب مجيئها لأنه من أشراطها الدالة على قربها.
وإطلاق علم الساعة على نفس عيسى، جار على أمرين، كلاهما أسلوب عربي معروف.
أحدهما: أن نزول عيسى المذكور، لما كان علامة لقربها، كانت تلك العلامة، سببًا لعلم قربها، فأطلق في الآية المسبب وأريد السبب.
وإطلاق المسبب وإرادة السببن أسلوب عربي معروف في القرآن، وفي كلام العرب.
ومن أمثلته في القرآن قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السماء رِزْقًا} [غافر: 13].
فالرزق مسبب عن المطر والمطر سببه، فأطلق المسبب الذي هو الرزق وأريد سببه الذي هو المطر للملابسة القوية التي بين السبب والمسبب.
ومعلوم أن البلاغيين، ومن وافقهم، يزعمون أن مثل ذلك، من نوع ما يسمونه المجاز المرسل، وأن الملابسة بين السبب والمسبب من علاقات المجاز المرسل عندهم.
والثاني من الأمرين أن غاية ما في ذلك، أن الكلام على حذف مضاف، والتقدير، وإنه لذو علم للساعة، أي وإنه لصاحب إعلام الناس، بقرب مجيئها، لكونه علامة لذلك، وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، كثير في القرآن، وفي كلام العرب، وإليه أشار في الخلاصة بقوله:
وما يلي المضاف يأت خلفا ** عنه في الإعراب إذا ما حذفا

وهذا الأخير أحد الوجهين اللذين وجه بهما علماء العربية النعت بالمصدر كقولك: زيد كرم وعمرو عدل أي ذو كرم وذو عدل كما قال تعالى: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ} [الطلاق: 2]، وقد أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله:
ونعتوا بمصدر كثيرا ** فالتزموا الإفراد والتذكيرا

أما دلالة القرآن الكريم على هذا القول الصحيح، ففي قوله تعالى في سورة النساء: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: 159] أي ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وذلك صريح في أن عيسى حي وقت نزول آية النساء هذه، وأنه لا يموت حتى يؤمن به أهل الكتاب.
ومعلوم أنهم لا يؤمنون به إلا بعد نزوله إلى الأرض.
فإن قيل قد ذهبت جماعة من المفسرين، من الصحابة فمن بعدهم إلى أن الضمير في قوله: قبل موته راجع إلى الكتابي، أي إلا ليؤمنن به الكتابي قبل موت الكتابي.
فالجواب أن يكون الضمير راجعًا إلى عيسى، يجب المصير إليه، دون القول الآخر، لأنه أرجح منه من أربعة أوجه:
الأول: أنه هو ظاهر القرآن المتبادر منه، وعليه تنسجم الضمائر بعضها مع بعض.
والقول الآخر بخلاف ذلك.
وإيضاح هذا أن الله تعالى قال: {وَقولهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولَ الله} ثم قال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ} أي عيسى، {وَمَا صَلَبُوهُ} أي عيسى {ولكن شُبِّهَ لَهُمْ} أي عيسى {وَإِنَّ الذين اختلفوا فِيهِ} أي عيسى {لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ} أي عيسى {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [النساء: 157] أي عيسى، {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [النساء: 157] أي عيسى {بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ} [النساء: 158] أي عيسى {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} أي عيسى {قَبْلَ مَوْتِهِ} أي عيسى {وَيَوْمَ القيامة يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159] أي يكون هو، أي عيسى عليهم شهيدًا.
فهذا السياق القرآني الذي ترى، ظاهر ظهورًا لا ينبغي العدول عنه، في أن الضمير في قوله قبل موته، راجع إلى عيسى.
الوجه الثاني: من مرجحات هذا القول، أنه على هذا القول الصحيح، فمفسر الضمير، ملفوظ مصرح به، في قوله تعالى: {وَقولهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ} [النساء: 157].
وأما على القول الآخر فمفسر الضمير ليس مذكورًا في الآية أصلًا، بل هو مقدر تقديره: ما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به قبل موته، أي موت أحد أهل الكتاب المقدر.
ومما لا شك فيه، أن ما لا يحتاج إلى تقدير، أرجح وأولى، مما يحتاج إلى تقدير.
الوجه الثالث: من مرجحات هذا القول الصحيح، أنه تشهد له السنة النبوية المتواترة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تواترت عنه الأحاديث بأن عيسى حي الآن، وأنه سينزل في آخر الزمان حكمًا مقسطًا.
ولا ينكر تواتر السنة بذلك إلا مكابر.
قال ابن كثير في تفسيره، بعد أن ذكر هذا القول الصحيح ونسبه إلى جماعة من المفسرين ما نصه:
وهذا القول هو الحق كما سنبينه بعد بالدليل القاطع إن شاء الله تعالى. اهـ.
وقوله بالدليل القاطع يعني السنة المتواترة، لأنها قطعية وهو صادق في ذلك.
وقال ابن كثير، في تفسير آية الزخرف هذه ما نصه:
وقد تواترت الأحاديث، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إمَامًا عَادِلًا وَحَكمًا مُقْسِطًا. اهـ منه.
وهو صادق في تواتر الأحاديث بذلك.
وأما القول بأن الضمير في قوله قبل موته راجع إلى الكتاب فهو خلاف ظاهر القرآن، ولم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة.
الوجه الرابع: هو أن القول الأول الصحيح واضح لا إشكال فيه، ولا يحتاج إلى تأويل ولا تخصيص بخلاف القول الآخر، فهو مشكل لا يكاد يصدق، إلا مع تخصيص، والتأويلات التي يروونها فيه عن ابن عباس، وغيره، ظاهرة البعد والسقوط لأنه على القول بأن الضمير في قوله قبل موته راجع إلى عيسى فلا إشكال ولا خفاء، ولا حاجة إلى تأويل، ولا إلى تخصيص.
وأما على القول بأنه راجع إلى الكتابي فإنه مشكل جدًا بالنسبة لكل من فاجأه الموت من أهل الكتاب، كالذي يسقط من عال إلى أسفل، والذي يقطع رأسه بالسيف وهو غافل والذي يموت في نومه ونحو ذلك، فلا يصدق هذا العموم المذكور في الآية على هذا النوع، من أهل الكتاب، إلا إذا ادعى إخراجهم منه بمخصص.
ولا سبيل إلى تخصيص عمومات القرآن، إلا بدليل يجب الرجوع إليه من المخصصات المتصلة أو المنفصلة.
وما يذكر عن ابن عباس من أنه سئل عن الذي يقطع رأسه من أهل الكتاب فقال إن رأسه يتكلم، بالإيمان بعيسى، وأن الذي يهوي من عال إلى أسفل يؤمن به وهو يهوي، لا يخفى بعده وسقوطه، وأنه لا دليل ألبتة عليه كما ترى.
وبهذا كله تعلم، أن الضمير في قوله: {قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: 159]، راجع إلى عيسى، وأن تلك الآية من سورة النساء تبين قوله تعالى هنا: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} [الزخرف: 61] كما ذكرنا.
فإن قيل: إن كثيرًا ممن لا تحقيق عندهم يزعمون أن عيسى قد توفي، ويعتقدون مثل ما يعتقده، ضلال اليهود والنصارى، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: {إِذْ قال الله ياعيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] وقوله: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 117].
فالجواب أنه لا دلالة في إحدى الآيتين ألبتة على أن عيسى قد توفي فعلًا.
أما قوله تعالى: {مُتَوَفِّيكَ} [آل عمران: 55] فإن دلالته المزعومة على ذلك منفية من أربعة أوجه:
الأول: أن قوله: {مُتَوَفِّيكَ} حقيقة لغوية في أخذ الشيء كاملًا غير ناقص، والعرب تقول: توفي فلان دينه يتوفاه فهو متوف له إذا قبضه وحازه إليه كاملًا من غير نقص.
فمعنى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} [آل عمران: 55] في الوضع اللغوي أي حائزك إلي، كاملًا بروحك وجسمك.